قف أيها الزمن و لا تتقدم
فقد خرجت من فوهة البندقية رصاصة كاذبة
قالت : أن الياسر قد مات
فقد انفجرت في العيون ثورة
و الحناجر صارت
كما فوهة البركان
و الأرض قد صارت زلزالا تحت الأقدام
و اندلعت في الجسد نار
صنعت من السماء غيما و دخان
فمن قال أن الياسر قد مات؟
أقتلتم الرجل الذي منه ولدت كل الرجال ؟
أم صدقتم ذلك الشارون الأعور الدجال ؟
أم أنكم لم تقرؤوا تاريخه في الكتب السجال؟
فالأرض و الحرب و البندقية تعرفه
كما و تعرفه سواعد الأبطال
إنه الجاسر , الكاسر , قاهر الأنذال
رجل عرفته شوارع بيروت و بيوت لبنان
أبا عمار الرجل الصعب و الرقم الصعب و القرار الصعب
الياسر فارس تخطى بجواده و بشعبه كل محال
فمن قال أن الياسر قد مات؟
يا أيها الزعيم
يا صانع المجد العظيم
اجبر بساعدك على الجرح الأليم
و اجعل من صراخهم نغما و رنين
يا ايها الزعيم تكلم
يا من على يديه القيد تحطم
إكسر بصوتك كل حدود الندم
يا أيها الجبار
يا أيها الختيار
يا سيد الثوار
أنت عائد
أنت عائد إلينا
فكل الملوك تتكئ على الوسائد
كلهم سعداء بقتلنا
فالشريف الشريف فيهم
على كرسيه جامد
أبا عمار
كلنا معك
كلنا إليك
كلنا منك
فاسمع اسمك كيف يصرخ
هناك في النقب
و هناك في عسقلان أرض الغضب
و اسمع اسمك قنبلة في نفحة جسر اللهب
و اسمعه في مجدو كيف في الجلاد انضرب
سيدي الثائر
و لا تنسى بئر السبع
فقد جاعوا في الوقت الذي
مات فيه الملوك من الشبع
و في زوايا و اروقة التلمد
يا سيدي
الذين لم يعرفوا في الدنيا
إلا أنت و الأقصى
و الزيتون و الصخرة
و القدس الحرة
و الخليل و رام الله
هذه هي عدها يا سيدي
ستجدها سبع
أبا الثوار
يا والد الكبار و الصغار
كل الشعب قد كتبها لك مرة
فالأسرى و الجرحى
الشجر و الحجر
فكل فلسطين من خلف القضبان صرخت
صرخت انفجرت
أنت إلينا عائد
أنت إلينا عائد
فمن قال أن الياسر قد مات؟
و كيف يموت من هو فينا حي
حتى الممات؟
فأنت باق للأبد
روحك و الجسد
و لن يملأ مكانك أحد
و أي انسان يستطيع تقليد
زئير الأسد؟
فأنت مني و منها و منه
أنت منا جميعا
مغروس في جوف هذي الأرض
و أنت القرار
و لن يزيلك جيش و لا حتى جدار
لأنك حروف تعلمها الثوار
أنت لحركة فتح
نور و نار
فمها الزمن بنا قد دار
لن نرحل أبدا عن هذه الدار
فحتى لو رحلت عنّا
فكلنا أبو عمار
فكلنا يا صاحب العقال الأسود فداك
فكاذب من قال أن الرئيس قد مات
كاذب من قال أن الياسر قد مات
كاذب من قال أن الجاسر قد مات
كاذب من قال أن الشهيد قد مات
2
على كفيَّ نقشتك رمزيَ الأبديَّ ...،
تسكن في حنايانا ..،
على كفي رسمتك يا أبا عمار ..،
إكليلاً من الوردِ ..،
من المجد ..،
من العز ..،
لتبقى في ثنايانا ..،
شعاعاً بدد الظلمات ..،
في أعماقنا العطشى إلى نور السنا
العلوي في أرض القداسات ..،
التي كانت ولا زالت تعشش
في خبايانا ..،
وأنت الرمز والأمل ..،
وأنت القلب والوطن ..،
وأنت الراية الخضراء تسمو
في معاليها ..،
تداعب نسمة الأيام في ذكرى ..،
رحيل المارد المخبوء في أعماق دنيانا .
* * *
على كفي نقشتك يا أبا عمار
طيفاً صادق الوعد ..،
وبين ضلوعي اللاتي تمزقها جراحاتي ..،
حفرت العهد والميثاق أغنية ..،
هزيجاً من شذا السمار والركبان
تحدوها نجوم الليل للأشجار وارفة ً
لتسكن في حشاشاتي ..,
وفي عين الزمان تحطُ ركابكَ المجدولَ
من رمشي ..,
ومن شريان أبنائي وأحفادي . . حفيداتي ..,
وكلِّ الصامدين هناك ..,
فوق الأرض .. فوق القدس ..,
فوق ربوعنا اللاتي ..،
سباها الغاصب المحتل يمعن في عداواتي ..,
* * *
أيا زمني ..,
أيا وطني ..,
أيا أبناء هذا الرمزِ ..,
يا أحفاد هذا المجدْ ..,
سيبقى الغصن مخضراً ..,
ويورق مع سنين العمر ملحمة ..,
بناها المارد الجبار في أعماقنا العطشى ..,
سلاماً وانتصارات .
سيبقى في زمان الصمت ألحاناً ..,
ترددها شفاه الثُكل والجرحى ..,
ومن ماتوا ..,
ومن سحلوا ..,
وأطفالُ الحجاراتِ ..,
* * *
هنا ... نحن أبا عمارِ ..,
نبني الصرح مزهواً بذكرى سنينك
الحبلى بمجد ما نسيناه .,
هنا في عمق شرياني ..,
وفي صفحات تاريخي ..,
خططُ حروفك العطرهْ ...,
وسجَّلَ فجرك النشوان في خلجات
أنفسنا كفاحاً قد عشقناهُ ..,
وبدد ليلنَا المحزونَ صوتُ نشيدك العذريِّ ..,
كي يشدوا بها الركبانْ ..,
وتعزفها أغاريداً مدوية ..,
نساء الحي ، والسمار رجعاً وارف الألحانْ .
* * *
على كفيّ نقشتك يا أبا الأبطال ..,
والشهداء والثوارْ ..,
رسمتك صورة العملاقِ ..,
في وجداني المحروق في نار العذاباتِ ..,
وفوق جبين أيامي ..,
نحت لعرشك الباقي خلوداً ..,
في جبين الشمس والبارود ..,
في أرض القداسات ..,
هنا في أرض أجدادي ..,
هنا في الشام .. في اليمن
هنا في مصر .. في عدن ..,
هنا في القدس في حيفا ..,
وفي عمان ..
هنا في اللد .. في اليرموك .. في الجولانْ ..,
هنا في وجد أطفالي ..,
وعمق نسائي اللاتي لدى القضبانْ ..,
هنا في عين جداتي ..,
وكل جوانح الشرفاء عبر محيط أنّاتي ..,
هناك .. هنا
سنبقى يا عفيف الطبعِ ..,
رغم البؤس والحرمانْ ...
ورغم قساوة السجانْ ..,
سنبقى الصخرة الصوانِ ..,
رمزاً للشهادات .
* * *
أبا عمار ..,
أيا مَن عشتَ في دنياك تعشق أرضنا الخضراء ..,
فُتِنتِ بها ..,
وعشت لها ..,
وذقت حلاوة الإيمانْ ..,
وكنت الفارس المغوارَ ..,
تعلو هامة الجوزاءْ ..,
وكنت الصانع الثورات ..,
ما زالت مدويةً ..,
تزمجر في ثنايا الأرضِ ..,
تحملها يد الشرفاءْ ..,
وكنت الوالد الحاني ..,
على الجرحى ..,
ومن نسجت أناملهم .. بنادقهم ..،
رموش عيونهم زمناً ..
شعاع النصر ملحمةً ..,
وكنت الرمز للشهداءْ ..
* * *
أبا عمار ..!!
على كفيّ .. وفوق جبين أمتنا
سنحفر عهدنا الباقي .. مدى الأزمانْ ..،
على شجر من الزيتون والأعنابِ ..,
في كرمي .. على جذع من الرمانْ .,
على نخلات أجدادي ..,
التي بسقت مع الأحزانْ ..,
على شريان أولادي .., وأحفادي ..,
وأطفالي ... يصفّد قيدهم سجانْ ,
على وهج الشموس نقشت أغنيتي ..,
أبا عمار ..,
وفوق جذوع أشجاري ..,
وبعضاً من بقايانا ..,
رسمتك يا أبا الأحزان ..!!
طفلاً يحمل الرشاش عملاقاً ..,
ليُسقى من دموع الوجدِ ..,
مزنا طاهر القطرات فياضاً ... مع الأيام .,
لينمو في ثرى وطني ..,
ويمحو القيد .. ما ناءت به الأبدان ..,
* * *
أبا عمار ..,
إليك نقدم الأبناء ... والأزهارَ ..,
قرباناً من الوجدانْ ..,
وفي عمقي جراحات ..,
تعذبني ..,
تكبلني ..,
تحطم صحوة الإنسان ..,
وفي كفيّ بقايا من رصاصات ..,
ستبقى الرمز والعنوان .,
وتبقى الفارس المخبوء في وطني ..,
وفي جفني ..,
وحتى يرحل السجانْ .
* * *
3
سلامٌ عليكَ ..
وأنتَ تغادرُ هذا الوجودَ
وتتركُ الرملَ للعاصفةْ
وتمضي..
كأنّك ما كنتَ فينا
جموحاً.. طموحاً
يداً نازفهْ..!
سلامٌ عليكَ.. تشّظى نثاراً،
دماراً،
وتغربُ في لحظةٍ خاطفهْ.
سلامٌ على رايةٍ للرحيلِ.
على دمعةٍ فوقَ خدِّ النخيلِ
سلامٌ على وجعٍ في الجليلِ.
سلامٌ على الحسرةِ الجارفهْ.
***
وتغفو قليلاً
لتبعد عنّا .. لتبقى جميلاً
وأنتَ تقيءُ حيادَ المدينهْ.
وتلقي زنازينها للرياحِ.
وتغدو الشّذى في اغترابِ السفينهْ
وتغدو ندىً فوقَ عشب التلالِ.
وتغدو نخيلاً رشيقَ الظلالِ.
وتغدو وعوداً في أكفّ الغمام،
وتنمو جميلاً في جفون الأقاحِ.
وتغفو قليلاً..
وتهربُ من غصّةِ الذكرياتِ،
وتُلقي بوجهكَ فوقَ الصحارى
مُكبَّاً على حزنٍ لا يرينُ.
حزيناً كأحلامك الراعفهْ.
تسيرُ إلى عالمٍ من يديكَ،
ومن دمعِ أمك،
تغفو
لعلّكَ في سكرةِ الموتِ تصحو
وتنسى قليلاً..
وتمشي كما كنتَ يوماً
خفيفاً..
تلملمُ قلبكَ منّا وتمضي
كما الماء تمضي
شفيفاً .. شفيفاً.
***
تخّبُ لتقفزَ فوقَ الحدودِ
وتمضي إليكَ
فهل كنتَ تدري بتلك النهايةْ.
أم الحربُ ألقتْ بأوزارها.
وسُدتْ بوجهك كلُّ الدروبِ
"تحاولُ جهداً.."
وكمْ قد وئدتَ، وكم قد طعنتَ.. وكم قد صلبتَ
وقمتَ تحاربُ في كلِّ ساحْ
وأخنتْ على الروحِ سودُ الليالي.
***
سلامٌ على وجعِ الزنبقاتِ
سلامٌ عليك.. ليومِ المماتْ
تفيءُ إلى روحكَ الآن
حزناً وشوقاً
وتبحثُ في الأفقِ عن ساعديكْ
سلامٌ على جثةٍ للشظايا
سلامٌ على دمعةٍ في الحكايا
سلامٌ عليكْ.
***
ولم يبقَ منك سوى بعض نبضٍ
سوى بعض حزنٍ
سوى بعضِ رفض
وهذا الفتاتْ
تودِّعُ بالصمتِ تلك الغزالةْ
وتمضي لتغفو بكهفِ العدمْ
ترجّلتَ يا سيّدَ الكبرياءْ.
وكم رحتَ تطرقُ أبوابَها
وكم سمّرتك كلابُ المنافي
فوسدّتَ رأسك رملَ الطريقِ
ورحتَ تنادمُ أعشابها
توجّدُ في غصّةٍ،
يا غريبُ..!
وكيفَ تفرُّ من الذكرياتْ؟!
وأنتَ الشهيدُ وأنت الحبيبُ.
وعنوانك القهرُ والنازلاتْ..!
***
وتلقي بشعرِك للعابرينْ
وللمارقينَ، وفوقَ الصقيعِ
على الأرصفةْ
وتبكي انكسارك في الليلِ وحدك
وتبكيكَ أحلامكَ النازفةْ
وتبكي على الإخوةِ الراحلينَ
ومن غيّبتهم قبورُ المنافي
وتمضي...
وقد كنتَ آخر المؤمنين بوعدِ الصحارى
وها أنتَ تمضي
وحيداً.. وحيداً
تفيءُ إلى ظلِّ خيمةٍ في العراءِ
وقد مّرغتكَ وحولُ المراحلْ
وأهدتكَ سيفاً بلا كبرياء
فرحتَ تغيبُ، بعيداً.. بعيداً.
تغيبُ، ولمّا تُتمّ القصيدةْ
ويغتالكَ الوجدُ قبلَ الوصولِ،
يعزّيكَ بلّغتَ تلك الرسالةْ
وتغربُ في لحظةٍ خاطفةْ
سلامٌ على النبضةِ الخائفةْ
سلامٌ عليك
ويكفيك وقعتَ حبّاً بدمْ
وتمضي غريباً، كما جئت يوماً
تودّعُ بالزّهدِ هذي الحياةْ
فمن ذا سيحمل هذا الرفاتْ
سلامٌ على رحلةٍ للدماءْ
سلامٌ على رحلةٍ للشقاءْ
عليك وقد راودتكَ الأغاني
عليكَ وقد بعثرتكَ الأماني
وإنْ أنتَ إلاّ قليلاً وتغدو
تراباً...
وشيئاً من الذكرياتْ
سلامٌ عليك بهذا المماتْ
سلامٌ إلى أنْ تنهضَ الريحُ يوماً.. وتكسرَ الروحُ ذاك السباتْ
إلى أنْ نفيءَ إلى رشدنا.
ونمضي جميعاً... جميعاً
إليك
سلامٌ
سلامٌ
سلامٌ عليك